السبت، ٢٠ يناير ٢٠٠٧

ص 2 محمود تيمور

ذكريات
محمود البدوى ومحمود تيمور


يقول البدوى
" التقيت بمحمود تيمور لأول مرة فى مقهى " رجينا " بشارع عماد الدين .. وهو المكان المختار للأدباء والفنانين . وكان يجلس معه أمين حسونه وزكى طليمات .. وكنت أجلس مع صحبة من الأدباء الشبان فى زاوية من المقهى بالناحية الغربية .

ومقهى " رجينا " يقع فى موقع جميل من الشارع على يمين المتجه إلى محطة مصر .. وقبل عمارات الخديو بخطوات قليلة .. وكان بديع التنسيق نظيفا تغطى موائده المفارش وتتخلل أركانه أصص الزهور ..

وكنا لا نتخلف عنه ليلة واحدة لجماله وطراوة هوائه ، وعلى الأخص فى الصيف فهو يستقبل الهواء من بحـرى بسخـاء ونعومة .

وكانت الحركة الأدبية نشطة بل فى أوج نشاطها بما ينشر فى المجلات والصحف والكتب من فنون الأدب .

***

وذات ليلة ونحن فى مجلسنا المعتاد بالمقهى .. رأيت انسانا أنيق الملبس والمظهر يتحرك نحونا .. وقال طه عبد الباقى .. بسرور .. ينبهنا ..
ـ تيمور بك .

ووقفنا وسلم علينا جميعا .
وقال فى صوت هادىء واضح النبرات :
ـ أهنئك على كتابك .. رجل ( وكنت قد أهديته له ) .. وأخص بالذكر قصة " الأعمى " .. أعجبتنى للغاية .

وشكرته ووقفنا بجانبه وكنا ثلاثة أكثر من دقيقتين .. نتحدث فى مجال الأدب .. ثم بارحنا ورجع إلى مكانه ..

وسألت طه فى استغراب :
ـ الرجل النبيل تحرك من مكانه ليحيى شابا صغيرا .. ما أنبل هذا وأعظمه .

فقال طه معقبا :
ـ الرجل العظيم هو أكثر الناس تواضعا .. ولو رجعت لسير العظماء فى التاريخ ما وجدت هذا يخل بمقدار شعرة ..

***

وكانت فرقة فاطمة رشدى تقيم حفلات نهارية كثيرة للطلبة بتذاكر رخيصـة .. فكنـا نذهب إليهـا ونخـرج منهـا إلى المقهى مباشرة .

وبعد قليل يقبل تيمور ومعه أمين حسونه .. وكان تيمور يطلع على كل جريدة ومجلة تصدر فى مصر والشام والمهجر العربى .. وكان المهجر فى ذلك الوقت يصدر مجلات وصحفا عربية متعددة .. وجميع هذه ترسل لتيمور على عنوانه المعروف للجميع والذى كان يثبته فى آخر صفحات كتبه .

وكان تيمور يتصفح هذه المجلات وهو جالس فى مكانه من المقهى .. فإذا نهض تركها لمن يريد الاطلاع عليها من صحابه وجلسائه .. وكان أمين حسونه يتوق إلى معرفة أخبار المستشرقين وأحوالهم ودراستهم وله ولع شديد بهم .. فكان يتلهف على الاطلاع على ما فى تلك المجلات ..

وتيمور إنسان مهذب رقيق الاحساس ومجامل إلى أقصى درجات المجاملة .

وكتبه تسيل سيولة وعذوبة وقد وصف الحياة فى المجتمع المصرى بروح الفنان الملهم .. وكان محمد تيمور الأخ الأصغر قصير العـمر قليـل الإنتـاج .. أمـا هو فقد امتد به الأجل وكتب الكثير ..

ويقول عنه د . سيد حامد النساج ـ كمؤرخ أدبى متمكن قد يتخصص ـ أن أسلوب تيمور تغير بعد دخوله المجمع اللغوى 1955 كعضو عامل .. وأصبح يعنى بانتقاء الألفاظ .. وبعض هذه الألفاظ كانت نافرة وأفسدت جو القصة .

وكان تيمور يقيم مآدب فى محل الجمال بشارع عدلى .. حفلات شاى لتلاميذه ومحبيه .. وقد حضرت حفلة واحدة منها .. كما ترى فى الصورة المنشورة مع المقال ..



كما كان كثير الإهداء لكتبه .. يهدى بمجرد التعارف مع الشخص ومعرفة ميوله الأدبية ..

والكتب المهداة لا تقرأ .. ولكنه لم ينقطع عن هذه العادة التى تأصلت فى نفسه .

وندر أن كنت ألقاه وحده فى الطريق حتى وهو يتجول فى الشوارع .. يترك عربته بجوار جروبى أو الجمال .. ثم يخرج ليتجول .. وكنت أجد فى صحبته دائما .. أمين حسونة .. ثم فوزى سليمان .. وأخيرا رستم كيلانى .. وأصبح رستم كيلانى من أشد المعجبين به ومن أقرب تلاميذه ومريديه ..

كما رافقه فوزى سليمان مدة طويلة فى جولاته الأدبية وسهراته فى المسارح .

وكان تيمور الإنسان المؤدب المهذب الواسع الشهرة يجعل الكثيرين يستريحون إلى صحبته .

***

وفى دراسة عن المحمودين تيمور والبدوى ، حصل الباحث حامد مرزوق عبد الرحيم ـ فى اكتوبر من عام 2003 ـ على درجة الماجستير فى اللغة العربية قسم الأدب والنقد بتقدير ممتاز عن رسالته التى تقدم بها إلى كلية اللغة العربية " جامعة الأزهر " فرع أسيوط وعنوانها " القرية المصرية فى قصص محمود تيمور ومحمود البدوى " دراسة تحليلية نقدية وموازنة .

حاول الباحث أن يثبت خلال هذه الموازنة بين المحمودين أن هناك فرقا بين القريتين ، فقرية البدوى هى قرية الصعيد ذات الطبيعة الخشنة والحياة القاسية ، وقرية تيمور هى قرية الدلتا والتى تختلف عن قرية الصعيد .. وقد اختار الباحث المحمودين لأن البدوى يكاد يكون زميلا ورفيقا لتيمور ، على الرغم من أن البدوى بدأ الكتابة بعد تيمور بزمن يسير ، وهو وإن كان يصغره فى السن ، إلا أنه تاريخيا من نفس الجيل الذى أسس القصة القصيرة فى مصر ، ومع ذلك فقد نال " تيمور " شهرة ومكانة اجتماعية بارزة عن البدوى ، مع أن البدوى يتفوق عليه من الناحية الأدبية من وجهة نظر بعض النقاد ، ومنهم الناقد رجاء النقاش .

ورصد الباحث :
* أن القرآن الكريم كان له كبير الأثر فى نفس المحمودين البدوى وتيمور .
* وأنهما كتبا فى معظم الاتجاهات القصصية ، وهو ما يعد دليلا على موسوعيتهما .
* أن كلا منهما يجيد عدة لغات مكنته من الاطلاع على الآداب الأجنبية بلغة أصحابها .
* اشترك كل من المحمودين فى حبه للرحلة ، فقد زارا بلادا كثيرة وقصا عنها .

وفى نهاية الرسالة دعا الباحث إلى ضرورة أن يلتفت الباحثون إلى مثل هؤلاء الأدباء العظام ويعكفوا على دراسة أعمالهم ، والاهتمام بالأعمال التى تكشف عن روح القرية المصرية وتسلط الضوء على ما فيها من مشكلات اجتماعية واقتصادية ومحاولة ايجاد الحلول لها .
=================================
المراجع التى استعان بها الكاتب :
* محمود البدوى فى " ذكريات مطوية " ـ مجلة الثقافة ـ العدد 88 يناير 1981
* رسالة الماجستير المقدمة من الباحث حامد مرزوق عبد الرحيم لنيل درجة الماجستير فى الأدب والنقد والتى تقدم بها إلى جامعة الأزهر " كلية اللغة العربية بأسيوط " .
=================================

ليست هناك تعليقات: